ثقافة في المسابقة الرسمية: "عصفور" لاندريا ارنولد يحلق في سماء كان
بقلم الناقد الطاهر الشيخاوي
سوف نرجع لاحقا وبإطناب على فيلم "ميغالوبوليس" وما أثاره من جدل. لم يكن مقالي سوى ردة فعل مزاجية لا أدّعي من خلاله تحليلا ولا تدليلا. الموضوع يستحق النقاش في وسط النقاد بالخصوص. والتحليل الذي لا يمنع المزاج لا يتعارض ولا يجب أن يتعارض مع المشاعر كما يتصور البعض بل لا بدّ أن يتفاعل معها ويؤسس لها.
في باب الأحاسيس هناك شريط في المسابقة الرسمية للدورة 77 لمهرجان كان، من الصعب تجاهله. والكلام يبدأ من هنا، من الإحساس الذي ينتاب المشاهد ويشدّه طويلا حتى بعد التمحيص بل لا تمحيص ممكن دون تقوية التعاطف الذي يثيره الشريط من الوهلة الأولى مع الشخصيات.
لنقل حول شريط أندريا ارنولد "العصفور" المشارك في المسابقة الرسمية بكلّ وضوح : لا أتصوّر أن هذا العمل يمكن أن يغيب عن قائمة الفائزين. وهو أقلّ ما يقال عنه. أزعم أنه جدير بأهم الجوائز. بايلي (أدعي أيضا أن نيكيا آدامز جديرة بجائزة أفضل ممثلة) فتاة في الثانية عشر من العمر، تعيش في مدينة عمالية تقع شمال الكانت، مع أبيها وأخيها. الأم منفصلة عن زوجها تقطن حيّا مختلفا بمعية ثلاثة أبناء أُخر. عائلة ممزقة تعيش في هامش المجتمع. الكاميرا ترافق الفتاة ولا تكاد تغادرها. ترافقها في أبسط حركاتها، وكم كثيرة هي حركاتها. تهتزّ اهتزازا لأبسط الأسباب، تحمل شحنة من الغضب لا تترك لها مجالا للراحة والاستقرار.
تدور الكاميرا معها دورانا يفقدك التوازن في تناقض تام مع رفاهية المقعد المنشودة. تقف بايلي حين يجلس الآخرون وتجري حين يمشون، في مفارقة بين الهروب (من الموقع المخصّص لها أو المفروض عليها) والالتفات نحو شيء ما، أقرب للطبيعة منها للمجتمع البشري، صديقة للحيوانات بأنواعها المختلفة، الجوية والبرية والبحرية. تعترض سبيل شاب غريب آت من أين لا ندري، يتحرك بين عالمين، بين الأرض والسماء، اسمه "عصفور". جاء باحثا عن عائلته التي يبدو أنها افتقدته وهي لا تدري ان كان حيّا أم ميتا. تنمو العلاقة بينهما وتدفع بايلي إلى مرافقته في البحث عن أبويه. هل "عصفور" واقع هو أم خيال ؟ قيمة الشريط تكمن هنا : انخراط في الواقعية الاجتماعية انخراطا متواصلا واقتلاع نحو فضاءات أخرى تفتحها الكاميرا بمعية بايلي تصل أحيانا إلى تخوم الحلم.
-الصورة من موقع مهرجان كان